سورة سبأ - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (45)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ} هو مساءلة في الآخرة، ومواجهة بين عبدة الملائكة من المشركين، وبين عابديهم، الذين يقولون عنهم، إنهم بنات اللّه.
وقوله تعالى: {قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ.. بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} هذا جواب الملائكة.. إنهم ينزهون اللّه تعالى عن أن يتخذوا لهم وليا ونصيرا غيره.. إنهم لا يلتفتون إلى هؤلاء الأتباع، الذين عبدوهم على غير دعوة منهم إليهم.. إنهم في غنى عنهم وعن عبادتهم.. فهم على ولاء مطلق للّه.. فهو سبحانه وليهم، ومعتصمهم.
وقوله تعالى: {بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} إشارة إلى ما يعبد هؤلاء المشركون من قوى غيبية خفية ومن تلك القوى، إلى جانب ما يعبدون من ملائكة، الجن.. كما يقول سبحانه: {وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً} [6: الجن].
قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ}.
أي في هذا اليوم- يوم القيامة- لا يملك بعضكم لبعض- من عابدين ومعبودين- نفعا ولا ضرا، حيث تجزى كل نفس بما كسبت.. وليس للظالمين في هذا اليوم من ولىّ ولا شفيع، بل يدعون إلى نار جهنم، ويلقون فيها، ثم يقال لهم: {ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ} وفى هذا القول إيلام لهم، فوق ما هم فيه من آلام، ومضاعفة للحسرة التي تملأ قلوبهم، على ما فاتهم من إيمان باللّه في دنياهم.
قوله تعالى: {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}.
تعود هذه الآية بالمشركين إلى الدنيا مرة أخرى، بعد أن دعتهم الآيات السابقة إلى موقف الحساب والمساءلة، وذلك- كما قلنا في أكثر من موضع- لتلتقى بهم الدعوة بعد هذه المشاعر التي دخلت عليهم من مشاهد هذا اليوم العظيم.
والآية هنا، تحدّث عن موقفهم مع آيات اللّه، ومقولاتهم فيها، بعد أن يتلوها الرسول عليهم.
إنها آيات بينات، تنطق بالحق المبين، بحيث يبدو للناظر إليها من أي جانب، ما يحدّث بأنها كلمات اللّه.. ومع هذا فإنهم يأبون أن يصدقوا ما يقع في قلوبهم وعقولهم منها، ويحملهم الكبر والعناد على التكذيب، والبهت، والاتهام للرسول الذي يحملها إليهم.
وهذه المقولات التي يقولها المشركون في آيات اللّه، هى مضمون ما تجمّع من مقولات كثيرة، قالوها في القرآن الكريم، وفى الرسول الذي جاءهم به.
{قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ}.
وهم بهذا القول يستثيرون حمية الجاهلية في صدور الجاهلين، بالحرص على موروثات الآباء، وما خلّفوا لهم من عادات وتقاليد، ومراسم.
{وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً}.
وهم بهذا القول يزكّون القول الأول، ويثبّتون دعائمه في القلوب.. حيث أن الذي يدعون إليه، ويرادون على إحلاله محل ما يعبدون، وما كان يعبد آباؤهم- هو محض افتراء وزور.
فكيف يتركون ما هم عليه من حق إلى هذا الضلال المفترى؟ هكذا زيّن لهم الضلال الجاثم على قلوبهم..!
{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}.
وبهذا القول يردّون على من وقع في نفوسهم شيء من آيات اللّه، وتفتحت لها عقولهم وقلوبهم.. إنه سحر.. يخدع الناس، ويضللهم، ويريهم الأمور على على غير ما هى عليه..!!
قوله تعالى: {وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ}.
أي أن هؤلاء المغرورين المفتونين بأموالهم وأولادهم، المكذبين بآيات اللّه كبرا وبطرا- هؤلاء لم يكونوا أهل علم كما كان شأن كثير غيرهم من الأمم، ولم يأتهم رسول من عند اللّه قبل هذا الرسول.. فهم- والأمر كذلك- في فقر عقلىّ وروحى، وهم لهذا أشد الناس حاجة إلى هذا الخير الذي ساقه اللّه إليهم، على يد رسول كريم منهم.
أما كثرة المال والأولاد، وفتنتهم بهما، وظنهم أنهم في عصمة بما في أيديهم من أموال وأولاد، من أىّ بلاء في الدنيا، أو عذاب في الآخرة، حتى لقد قالوا: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} أما هذه الكثرة في الأموال والأولاد، فهى شيء قليل لا يكاد يذكر إلى جانب ما كان لغيرهم من الأمم السابقة من وفرة في المال وكثرة في الرجال، ومع هذا فلم يغن عنهم ذلك من اللّه شيئا، بل إنهم حين كفروا باللّه، وكذبوا رسله، أخذهم اللّه بذنوبهم، وأرسل عليهم الصواعق والمهلكات، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم.. فأين هم من قوم عاد، وقوم ثمود وما كان لهم من قوة وبأس، وجاه وسلطان؟ وأين هم من فرعون، وما ملك من بلاد وعباد؟ وهذا ما يشير إليه قوله تعالى في الآية التالية، متوعدا هؤلاء المشركين ومهددا لهم بالعذاب الأليم.
{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ}.
أي لقد كذب الذين من قبل هؤلاء المشركين، كفرعون، وعاد، وثمود- كذبوا رسل اللّه، وكانوا على جانب عظيم من الغنى والسلطان، حتى أن هؤلاء المشركين المفتونين بما أوتوا، لم يكن لهم معشار- أي عشر- ما لهؤلاء الذين سبقوهم.. وقد أهلكهم اللّه بذنوبهم، ولم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئا.. فهل تغنى هذه الأموال والأولاد- وهى قليلة، وإن حسبوها كثيرة- هل تغنى عنهم من عذاب اللّه من شى ء؟
وهل ترد عنهم بأس اللّه إذا جاءهم؟ لو كان ذلك لهم، لكان غيرهم، ممن هم أكثر أموالا وأولادا، أولى!.
والنكير: الإنكار للأمر.. وإنكار اللّه للمنكر، يستتبع عقابه وعذابه لمن وقع منه المنكر.


{قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (51) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)}.
التفسير:
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا.. ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ}.
بعد هذا التهديد الذي أنذر به المشركون من أن يحل بهم ما حل بالظالمين المكذبين قبلهم- جاءت آيات اللّه تدعوهم إلى ما هو خير لهم، وتفتح لهم الطريق إلى النجاة والخلاص.
والآية الكريمة، تكشف عن أسلوب الدعوة الإسلامية، القائم على مواجهة العقل، ودعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، وإعطائه حقه في طلب الدليل المقنع، والبرهان الواضح، ثم الاعتراف له بما يقضى به، بعد النظر السليم، المجرد من الهوى، المبرأ من التحدي والعناد..! فهذه هى رسالة الإسلام في الإنسانية.. إنها تريد أولا وقبل كل شىء، أن تحرر العقل من العادات الفاسدة، والمعتقدات الباطلة، التي استولت عليه، وشلّت إرادة التفكير فيه.
فإذا تحرر العقل من هذه الآفات، وتخلص من تلك القيود، فقد كسب نصف المعركة في صراعه مع الباطل، ثم كان عليه بعد هذا أن يكسب النصف الآخر، حتى يتلخص من الضلال، ويخرج من عالم الظلام إلى عالم الهدى والنور.. وهو أن يدير عقله على هذا الوجود، وأن ينظر فيه بعقله المتحرر هذا.. فإنه إن فعل، فلابد أن يهتدى إلى اللّه، ويتعرف إليه، ويؤمن به.
فقوله تعالى: {قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ} أي إنما أنصح لكم بنصيحة واحدة، لا شيء غيرها.. إنها مجرد نصح، لا إلزام فيه، فإن قبلتم فذلك لكم، وهو حظكم، وإن لم تقبلوا فأنتم وشأنكم.
والعظة الواحدة، هى: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}.
والقيام للّه، هو القصد، والتوجه إليه، وذلك بطلب البحث عنه بحثا جادّا.. فإن الإنسان الذي يريد أن يتخذ له معبودا يعبده، يجب أن يتعرف إليه، وأن يتحقق من آثاره وأفعاله، وما له من سلطان في هذا الوجود.
ثم لا يقبل المعبود حتى يراه المالك لكل شىء، المنصرف في كل شىء، والقيام للّه مثنى وفرادى، هو أن يكون التفكير في اللّه، حديثا إلى النفس أولا، بما يقع فيها من خواطر عن اللّه.. ثم مراجعة هذه الخواطر مع شخص آخر، يراه الإنسان صاحب نظر ورأى، حتى يستقيم له من تلك المراجعة، وتقليب الرأى بينه وبين صاحبه هذا- مفهوم لذات اللّه، وحتى يجتمع له تصور لعظمته وجلاله وقدرته، ثم تكون المرحلة الثالثة والأخيرة، وهى الرجوع إلى نفسه، وعرض هذا المفهوم وذلك التصور على عقله، حتى يهتدى إلى الرأى الذي يطمئن إليه، والتصور الذي يستريج له.
هذه هى مراحل التفكير، في أي أمر ذى شأن بعرض للإنسان.
ففى المرحلة الأولى تظهر الفكرة في صورة خاطرة أو وساوسة، يلوح في سماء العقل، ويضطرب في مخيلته.
ومثل هذا الخاطر أو الوسواس، يعيش قلقا مضطربا، لا يجد له مستقرا في العقل، حتى يجد الأرض الصلبة التي يقف عليها.. وهنا تجىء المرحلة الثانية.
وفى المرحلة الثانية هذه، يبحث العقل عن عقل آخر يأنس به، ويقابل ما عنده من خواطر ووساوس بخواطره ووساوسه.
وفى هذا اللقاء بين العقلين، يكثر الأخذ والرد، والقبول والرفض، ثم ينجلى هذا المخض عن زبدة، هى الشرارة التي تنقدح من اللقاء بين العقلين، والتي تضىء بها جوانب النفس، وينكشف على ضوئها وجه الرأى في الأمر المتداول بينهما.. وينتهى هذا الحوار، أو هذا اللقاء بين العقول، وقد ذهب كل واحد منها بما حصل عليه، من شك أو يقين.. وعندئذ يجد العقل أن ما حصل عليه ليس خالصا له، وإنما هو- على صورتى الشك واليقين- قسمة بينه وبين العقل الذي جرى معه هذا الشوط للوصول إلى تلك الغاية.
وهنا تجىء المرحلة الثالثة، التي يسوى فيها العقل حساب الأمر الذي بين يديه، على الوجه الذي يراه هو، مستقلا عن أي عون خارجى.
وفى المرحلة الثالثة هذه، يخلو العقل بنفسه، ما شاء له أن يخلو، فيعيد عرض الأمر في هدوء، ويقلب وجوهه في سعة من الوقت، وحرية من العمل.
وقد يظل هكذا زمنا يبلغ عمر الإنسان كله، دون أن يصل إلى الرأى الذي يطمئن إليه، وقد تطلع عليه شمس الحقيقة في لحظة خاطفة، وعلى غير انتظار! هذا، ويلاحظ- وهذا إعجاز من إعجاز القرآن الكريم- أن الآية الكريمة، لم تذكر المرحلة الأولى وبدأت بالمرحلة الثانية، وهى لقاء عقل الإنسان بعقل غيره، ومقابلة تفكيره بتفكير غيره وذلك، أن المرحلة الأولى، هى مرحلة مشتركة في الناس جميعا، فإن أي إنسان عاقل، لا يمكن أبدا أن تخلو نفسه من خواطر، ووساوس، عن التفكير في الإله.
أما الذي هو غير واقع في الناس جميعا، فهو عرض هذه الخواطر والوساوس على عقول الآخرين.
فهناك كثير من الناس يعيشون مع ما يطرقهم من خواطر ووساوس، دون أن يعرضوها على أحد، بل يمسكون بها في صدورهم حتى يموتوا بها، تماما كما يمسك بعض المرضى، بأمراضهم، دون أن يطبّوا لها، وأن يعرضوها على أهل الذكر والمعرفة بأدواء الأجسام وعللها.
كما يلاحظ- وهذا إعجاز من إعجاز القرآن الكريم أيضا- أن الآية الكريمة حصرت التفكير في دائرة الفرد نفسه، ثم لم تتجاوز به أكثر من فرد وفرد.. وهذا يعنى أن العقل إنما يكون في أحسن حالاته، حين يفكر وحده، أي حين ينفرد بالتفكير فيما تجمّع لديه من حصيلة من الأفكار والآراء، يردّها إلى نفسه، ويقلبها بين يديه.. فهذا الذي يحقق للعقل ذاتيته، ويعطيه وجوده، ويمكن له من سلطانه.. فإذا كان ولا بد من مشاركة أحد، فليكن ذلك في أضيق الحدود، ومع عقل آخر، هو أشبه بالمرآة التي يرى فيها الإنسان ذاته.. أما التفكير الجماعى، وخاصة في أمر يتصل بالضمير، كالإيمان باللّه واليوم الآخر، فإنه يشوش على العقل، ويحجب عنه الرؤية الصحيحة لما هو ناظر إليه.
وقد كشف علم النفس، عن أن هناك عقلين، عقلا فرديا، وعقلا جماعيا، وأن العقل الجماعى، قد يقنع الإنسان بما لم يكن محلّ إقناع في تفكيره الفردى.. وهذا إن صحّ في الأمور العارضة، فإنه لا يصحّ في أمر العقيدة، التي هى أمر شخصى محض.
وقوله تعالى: {ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ}.
هذا هو الحكم الذي يصل إليه العقل، إذا جرى على هذا الأسلوب الذي دعى إليه، من التفكير في هذا الأمر الذي يدعو الرسول إليه، تفكيرا قائما على البحث الجادّ، والرغبة الصادقة في الكشف عن الحقيقة.. إنه لو أخذ الإنسان- أي إنسان- بتلك العظة التي دعا القرآن إليها، وهى أن يقوم للّه مفكرا وحده، أو مع غيره- لوصل إلى تلك الحقيقة، وهى أن هذا الرسول ليس به جنّة، وأن ما يدعو إليه هو الحقّ.. وأنه رسول اللّه، ونذير لهم بين يدى عذاب شديد، هو عذاب يوم القيامة.
قوله تعالى: {قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ.. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ.. وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} وهذه مادة من مواد التفكير، في سبيل البحث عن الحقيقة التي يدعو إليها الرسول عقل ذوى العقل، فهذه المادة مما تعين على الكشف عن الحقيقة والتهدّى إليها.. وتلك المادة هى أن الرسول- صلوات اللّه وسلامه عليه.. لم يطلب أجرا من أحد على ما يدعو إليه، وأنه لم يطلب بذلك جاها أو سلطانا: {ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ}! حتى أكون بموضع تهمة، بأننى إنما أدعو إلى ما أدعو إليه، ابتغاء كسب مادىّ لذات نفسى.. إنها دعوة بريئة من كل غرض شخصى، خالصة من كل مئونة تحملونها من أجلها.
فماذا يحجزكم عنها، أو يحملكم على التصدّى لها، والوقوف في وجهها؟
وقوله تعالى: {فَهُوَ لَكُمْ.. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} أي إن يكن هناك أجر وخير في هذه الدعوة، فهو لكم.. أمّا أنا، فإن أجرى على اللّه.
فأنا أحمل رسالته إليكم خالصة، ولا آخذ منكم على هذا الحمل أجرا، وإنما أجرى على الذي حملنى رسالته.
ويجوز أن يكون الضمير {هو} في قوله تعالى: {فَهُوَ لَكُمْ} عائدا إلى القرآن الكريم، الذي يدعوهم الرسول الكريم إلى الاستماع إليه، والنظر فيه، ثم الإيمان بما يدعوهم إليه من عقيدة وشريعة.. والقرآن وإن لم يجر له ذكر في الآية، فهو- في الحقيقة- المواجه للقوم، والمتحدث إليهم.
وعلى هذا يكون {ما} في قوله تعالى: {قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} حرف نفى، بمعنى أننى لم أسألكم أجرا على هذا الكتاب الذي أتلوه عليكم، فهذا الكتاب هو كتابكم، إنه لكم، هدى ورحمة من عند اللّه.. فكيف أطلب أجرا منكم على أمر هو لكم.؟ إنه لا أجر لى عندكم، إنما أجرى على اللّه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}! وقوله سبحانه: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [44: النحل].. فالكتاب منزل إلى الناس، والرسول عليه الصلاة والسلام هو المتلقى لهذا الكتاب من ربه، وهو الحامل لهذه الأمانة، المطلوب منه أداؤها إلى أهلها، وهم الناس جميعا.
وقوله تعالى: {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
أي قائم على كل شىء، يراه رؤية شهود، فيعلم كل شيء علما كاشفا.. يعلم ما أنا عليه من قيامى برسالة ربى إليكم، ويعلم ما يكون منكم من قبول لهذه الرسالة، أو ردّها، وسيجزى كلّا بما عمل.
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}.
والمراد بالقذف بالحق: رمى الباطل بالحق، حتى يصرعه.. فالقذف، هو الرمي الشديد، كما يقذف بالحجر أو نحوه، ليصيب مقتلا من عدوّ.
وذلك ما يشير إليه قوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ.. فَإِذا هُوَ زاهِقٌ} [18: الأنبياء].
وقوله تعالى: {عَلَّامُ الْغُيُوبِ} بدل من قوله تعالى: {يَقْذِفُ بِالْحَقِّ}.
أي أنه سبحانه لا يقذف بالحق هكذا خبط عشواء، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.. إنه يقذف به عن علم، فيقع حيث يشاء، وحيث يصيب الباطل في مقاتله.
قوله تعالى: {قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ} هو تعقيب على الآية السابقة، التي قررت أن اللّه سبحانه وتعالى لا ينزّل إلا ما هو حقّ، ولا يرمى إلا بما هو حقّ.
وها هو ذا الحقّ قد جاء في هذه الدعوة التي يحملها الرسول الكريم في آيات اللّه المطهرة.. وإنها لحق قذف به هذا الباطل الذي يعيش في مجتمع الجاهليين.. وليس بعد هذا القذف إلا أن يلقى الباطل مصرعه، وتختفى أشباح الضلال، وأشياعه.
فقوله تعالى: {وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ}.
إشارة إلى أن الباطل قد أصيب في مقاتله، وأنه لن تقوم له بعد اليوم قائمة، ولن يكون له بعد اليوم صوت يسمع.. فالمراد بنفي البدء والإعادة لازمها، وهو عدم التأثير،. أي أنه الباطل يفقد كل آثاره وأفعاله، بعد أن يقذف بالحق، كما يقول سبحانه:
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ} [18: الأنبياء] قوله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} وهذا الحقّ الذي جاء، إن ضللت عنه، ولم أتبع هديه- فإنما عاقبة هذا الضلال واقعة علىّ.. وإن اهتديت بهذا الهدى، واستقمت على طريقه، ففى هذا النجاة لى، والغنيمة التي أغتنمها منه.
وفى قوله تعالى: {فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} إشارة إلى أن هدى القرآن هو الهدى، وأنه لا هدى إلا منه، وأن من التمس الهدى في غيره ضلّ، وخاب وخسر.
وفى هذا إشارة أيضا إلى أن مصدر الهدى، هو اللّه سبحانه وتعالى، وأنه من هذا الهدى الإلهى، يهتدى النبىّ، ويهتدى المهتدون.. فالنبىّ- وهو رسول اللّه- إنما يلتمس الهدى من هذا القرآن، الذي هو حقّ للناس جميعا، ليس للنبىّ فيه، إلا ما للناس جميعا.. ومن هنا، فإنه لا حقّ له- صلوات اللّه وسلامه عليه- في أن يطلب أجرا على شيء هو مشاع في الناس، كالنور، والهواء، والماء.. وفى هذا أيضا دعوة إلى من يجدون في أنفسهم أنفة أو كبرا أن يأخذوا من القرآن حظهم من الهدى إذ كان النبىّ هو الذي يحمله، ويدعو إليه- في هذا دعوة لهم أن يتخففوا من هذا الشعور، وأن ينظروا إلى القرآن باعتبار المصدر الذي جاء منه، وأنه من عند اللّه، وليس من عند محمد، وأن محمدا يأخذ حظّه من هدى اللّه هذا، فليأخذواهم حظهم كذلك- في غير حرج، وليرتووا من هذا النبع العذب، وألا يهلكوا أنفسهم، بسبب أن كان القائم على هذا النبع رجلا منهم! وقوله تعالى: {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} أي ليس اللّه سبحانه وتعالى بعيدا عن هذا الهدى الذي يدعوهم إليه رسول اللّه.. إنه قريب منهم، سميع لهمسات شفاههم، وخفقات قلوبهم.. إنه سبحانه، أقرب إليهم، وإلى هذا الهدى من رسول اللّه، وأنهم إذا جاءوا إلى هذا الهدى وجدوا اللّه عنده.. فما لهم لا يتلقون الهدى من اللّه، إن أنفوا أن يتلقوه من رسول اللّه؟
إن في هذه الحجة إلزاما لهم، وقطعا لكل عذر يعتذرون به.. ويبقى للرسول مع هذا مقامه من ربه، ومكانه من الدعوة إلى اللّه..!
قوله تعالى: {وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ} هو سوق لهؤلاء الضالين الذين أمسكوا بضلالهم، ولم يقبلوا هذا الهدى المعروض عليهم في شتى صور العرض- هو سوق لهم إلى المصير المشئوم الذي ينتظرهم.
والصورة التي يراها هؤلاء الضالون لأنفسهم هنا والتي يراها الناس لهم، هى أنهم في ساحة المحاكمة، يوم القيامة، وقد استولى عليهم الفزع من هذا الهول المحيط بهم، وهذا البلاء المشتمل عليهم، وقد أحيط بهم من كل مكان، فلا فوت ولا مهرب لهم.
وجواب الشرط للحرف {لو} محذوف، للدلالة على أنه لا يحيط به الوصف.. ومن صور الجواب، التي تقع في التصور أن الذي يراهم في تلك الحال، يرى أهوالا يموج فيها القوم، لا يستطيع الناظر أن ينظر إليها، وبملأ عينيه منها.. إنها شيء مخيف.. مفزع.. فظيع! والمكان القريب الذي أخذوا منه، هو دنياهم التي كانوا فيها.. وهى- أيّا كانوا منها- قريبة إلى اللّه، فكل شيء في الوجود قبضته يده! قوله تعالى: {وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ}.
هو معطوف على قوله تعالى: {وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ}.
أي أنهم في هذه الحال، يقولون {آمنا به} أي بالقرآن، أو بالرسول وبما جاء به.
وقوله تعالى: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} {أنّى} بمعنى كيف. وهو استفهام يراد به الاستبعاد.
والتناوش: التناول خطفا بأطراف الأصابع، حيث تقصر اليد عن تناول الشيء، فتلمسه، ولا تتمكن منه، فتكثر لذلك حركة اليد، قبضا وبسطا.
والمعنى أنهم إذ يقولون آمنا باللّه، وبكتابه، يتعلقون بآمال كاذبة، ويمسكون بخيط من الوهم.. فقد بعدت بينهم وبين مطلبهم الشقة.. إنهم في عالم غير هذا العالم الذي كان ينفعهم فيه هذا القول.. وإنه لمحال أن يعودوا إلى هذا العالم.. إنه مكان بعيد عنهم.. إنه الدنيا.. وهم في الآخرة.. وما أبعد المسافة بين الدنيا والآخرة بالنسبة لهم!! وفى التعبير بالتناوش، عن الأمل الذي يراودهم في هذا الموقف، بإعلان الإيمان- إعجاز من إعجاز القرآن، في صدق الأداء، وروعته، ودقته.. فالأمل الذي يتعلقون به، لا يمسكون منه بشىء.. إنه لا يكاد يظهر حتى يختفى، ثم يظهر ويختفى، وهم يجرون وراءه حتى تتقطع أنفاسهم دونه، وفى هذا مضاعفة للعذاب الذي هم فيه.. {كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [14: الرعد].
إنهم يمدون أيديهم وهم في الآخرة، ليتناولوا هذا الأمل الذي فاتهم في فى الدنيا، ويناوشونه مناوشة من بعيد، ولا تمسك أيديهم بشىء منه.
قوله تعالى: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ}.
الواو، واو الحال، والجملة بعده حال من الكافرين، الذين قالوا آمنا به.
أي أنهم قالوا هذا القول عن القرآن في الآخرة، وقد كفروا به في الدنيا، وقد كانوا يقذفون بالغيب وهو ما يحدثهم به القرآن عن البعث في الآخرة والحساب، والجزاء، وكلها غيب.. فلم يقبلوا هذا، وقذفوا به، ورموه، وهم في مكان بعيد أي في الدنيا.. وهم الآن في الآخرة، فكيف لهم أن يلحقوا بهذا الذي قذفوه، ويمسكوا به؟.
قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ.. كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ.. إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}.
حيل بينهم وبين ما يشتهون: أي حجز بينهم وبينه.. فلا سبيل لهم إليه.
والذي يشتهونه، هو العودة إلى الدنيا، وأخذ ما فاتهم، واسترداد ما ضاع منهم فيها، من الإيمان باللّه واليوم الآخر.
والأشياع: هم الأولياء، والأنصار.. وهم هنا من كان على شاكلة هؤلاء الكافرين من القرون الغابرة، والأمم الماضية، أو من جاء بعدهم ممن كانوا على الكفر في الدنيا.
والمعنى أنه قد حيل بين هؤلاء المشركين، وبين ما كانوا يتمنونه، ويطمعون فيه من العودة إلى الدنيا، وإصلاح ما أفسدوا من أمرهم، كما حيل بين كل كافر وبين هذه الشهوة التي يشتهيها في الآخرة.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى على لسان أهل الكفر والضلال في الآخرة: {يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [27: الأنعام].
وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} وصف لما كان عليه أهل الكفر والضلال في الدنيا، وأنهم كانوا في شك مريب من أمر الآخرة أي في شك يقوم من ورائه شك. فلا يخرج بهم الشك إلا إلى شك، فلم يكن يقع منهم أبدا الايمان باللّه، ولو ردوا إلى الدنيا- بما هم عليه من طباع- لعادوا إلى ما نهوا عنه.

1 | 2 | 3